الأموال تخنق الشغف.. حينما تُغتال الأندية الشعبية على يد أندية الشركات

الاثنين 14 يوليو 2025 03:52 م
محمد الدالي


في الزمن الذي كانت فيه كرة القدم تُمارس في الشوارع والحارات من أجل الشغف، لم يكن أحد يتخيل أن يأتي يوم تُصبح فيه اللعبة الشعبية الأولى في العالم أسيرة للأموال، ويُداس تاريخ الأندية العريقة تحت أقدام أندية الشركات والهيئات الاستثمارية.


منذ نشأة كرة القدم في إنجلترا في القرن التاسع عشر، كانت تُلعب من أجل الجماهير والانتماء، لكن اليوم تغيّر كل شيء، فالمعادلة باتت محسومة: من يملك أكثر، يربح أكثر.


 تحولت اللعبة إلى صناعة ضخمة، وتحولت معها بوصلة اللاعبين والمستثمرين إلى من يدفع أكثر، لا إلى من يملك التاريخ والانتماء.



 الأندية الشعبية في مصر.. بين مطرقة التجاهل وسندان أندية الشركات



في مصر، يتجلى هذا التحول بشكل مؤلم، فالدوري المصري الممتاز، الذي كان في يومٍ من الأيام يعج بالأندية الجماهيرية ذات الشعبية العارمة مثل الترسانة، منتخب السويس، غزل المحلة، الشرقية، بات اليوم يعج بأندية تابعة لشركات وهيئات لا تملك قاعدة جماهيرية حقيقية.


فهل تخيلنا يومًا ما أن نتابع الدوري المصري بدون الترسانة؟ أو أن نبحث عن الإسماعيلي في جدول الهبوط؟ أو أن نرى غزل المحلة "ضيفًا شرفيًا" بعد أن كان زعيمًا بين الكبار؟


 نموذج الإسماعيلي.. سقوط بطل إفريقيا الأول


الإسماعيلي، ذلك النادي العريق صاحب أول بطولة إفريقية في تاريخ مصر (بطولة أفريقيا للأندية الأبطال عام 1969)، وثلاثة ألقاب دوري، أصبح اليوم يصارع من أجل البقاء، وسط غياب كامل لأي دعم حقيقي من مستثمرين أو مؤسسات.


رغم تاريخه وشعبيته العارمة في محافظة الإسماعيلية وداخل وخارج مصر، لم يلتفت أحد لإنقاذ هذا الكيان، لا اتحاد الكرة، ولا وزارة الرياضة، ولا حتى رجال الأعمال الذين يبحثون عن الربح السريع في أندية الشركات.


 غزل المحلة.. من زعيم الفلاحين إلى "النازل دائمًا"


نادي غزل المحلة، أحد الأندية السبعة فقط الذين توجوا بالدوري المصري عبر تاريخه، بات أيضًا على حافة الهاوية.


 يعاني النادي من غياب الاستثمار وضعف الإمكانيات، ويتأرجح بين الصعود والهبوط، كأن التاريخ لا يشفع له، ولا جماهير الغربية العاشقة لكرة القدم تنقذه.


غزل المحلة الذي أنجب نجومًا وألهم أجيالًا، أصبح اليوم يتلقى الضربات واحدة تلو الأخرى في صمت، دون أن يتحرك أحد لإنقاذه.


 أندية الشركات.. القوة المالية بلا جماهير


في المقابل، أصبحت أندية الشركات مثل البنك الأهلي، فيوتشر، إنبي، زد وغيرها، تتمتع بامتيازات مالية ضخمة، وصفقات مرتفعة، رغم افتقادها للقاعدة الجماهيرية والتاريخ. صحيح أن المال لا يصنع الشغف، لكنه أصبح يصنع النتائج والمراكز، ويهزم أصحاب الأرض والتاريخ.


ومع الدعم المتزايد من المؤسسات والهيئات، أصبح لهذه الأندية اليد العليا في السوق المحلي، ما جعل الأندية الجماهيرية عاجزة عن المنافسة في سوق الانتقالات، وتُركت للصراعات والهروب من الهبوط.




لابد من إطلاق مبادرات استثمارية موجهة للأندية الجماهيرية، وفتح الباب أمام رجال الأعمال المحبين لكرة القدم للاستثمار في تلك الكيانات.


 كما يجب أن تتحرك الدولة بجدية لدعم هذه الأندية، سواء عبر إعفائها من بعض الأعباء المالية أو تقديم تسهيلات للبنية التحتية .